معنى حديث مقطوع وأحكامه في علم الحديث
في علم الحديث الشريف، يتم تصنيف الأحاديث إلى عدة أنواع وفقًا لسلسلة الرواة والمتن، ومن بين هذه الأنواع يأتي “الحديث المقطوع”، وهو مصطلح ذو دلالة هامة في دراسة الحديث النبوي الشريف. “المقطوع” يعد نوعًا من الأحاديث التي تتطلب فهمًا دقيقًا لحالة السند وأدلة الصحة والضعف المرتبطة بها. وفي هذا المقال، سنستعرض معنى الحديث المقطوع، تاريخه، وخصائصه، بالإضافة إلى التفصيل في الأحكام الفقهية المتعلقة به وتفسيره في علم الحديث.
تعريف الحديث المقطوع
الحديث المقطوع في المصطلح الحديثي يعني الحديث الذي يروي فيه التابعِي عن الصحابي أو تابعي التابعِي عن التابعِي، أي أن السند ينقطع بين أحد الرواة والرسول صلى الله عليه وسلم. وبعبارة أخرى، هو الحديث الذي لا يروي فيه الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، بل يرويه عن أحد الصحابة أو التابعين.
يُفهم من هذا أن الحديث المقطوع لا يحتوي على اتصال كامل في السند بين الراوي والرسول عليه الصلاة والسلام، بل يفتقر إلى الحلقة الوسطى من سلسلة الرواة التي تصل إلى النبي. وهذه القطعة المفقودة في السند هي التي تُعطي الحديث صفة “المقطوع”.
أنواع الحديث المقطوع
في علم الحديث، يوجد نوعان من الحديث المقطوع بناءً على جهة الإسناد الذي يحدث فيه الانقطاع:
-
الحديث المقطوع بين التابعِي والصحابي:
وهو الحديث الذي يرويه التابعِي عن الصحابي، ويعتبر من الأحاديث التي تحتاج إلى مراجعة وتدقيق من حيث صحة الرواية وجودتها. ففي هذه الحالة، يكون السند منقطعًا بين الراوي والنبي صلى الله عليه وسلم. -
الحديث المقطوع بين التابعِي وتابعي التابعِي:
في هذا النوع، يروي التابعِي عن تابعي التابعِي، حيث يصبح السند بين الراوي والنبي صلى الله عليه وسلم منقطعًا مرتين. في هذه الحالة، يعتمد علماء الحديث على فحص السند والمتن للتأكد من صحة الرواية ودقتها.
الفرق بين الحديث المقطوع والحديث المرفوع
لكي نفهم معنى الحديث المقطوع بشكل كامل، من المفيد أن نوضح الفرق بينه وبين “الحديث المرفوع”. الحديث المرفوع هو الحديث الذي يروي فيه الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويعتبر من أقوى أنواع الأحاديث سندًا لأن السند فيه متصل مباشرة بين الراوي والنبي.
أما الحديث المقطوع، كما سبق وذكرنا، فإن السند فيه ينقطع بين الصحابي والنبي صلى الله عليه وسلم، ويكون الراوي فيه إما تابعيًا أو تابعي تابعي. لذلك، يعد الحديث المرفوع أعلى درجة من الحديث المقطوع في تصنيف الأحاديث من حيث القوة والمصداقية.
خصائص الحديث المقطوع
هناك عدة خصائص تميز الحديث المقطوع عن غيره من الأحاديث:
-
انقطاع السند:
السمة الرئيسية للحديث المقطوع هي انقطاع السند بين أحد الرواة والرسول صلى الله عليه وسلم. هذا الانقطاع يحدث إما بين التابعِي والصحابي أو بين التابعِي وتابعي التابعِي. -
التوثيق الضروري:
نظرًا لأن الحديث المقطوع يتم نقله عن طريق التابعين أو تابعي التابعين، فإنه يتطلب فحصًا دقيقًا للتأكد من صدق الرواة وثقتهم. لذا فإن حديثًا مقطوعًا ضعيفًا يمكن أن يحتوي على سلسلة من الرواة الضعفاء أو غير الموثوقين. -
مختلف المواقف:
يمكن أن يروي الحديث المقطوع إما قولًا، فعلًا، أو تقريرًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعادة ما يكون مرجعه في التفسير أو الفقه أو مسائل أخرى ذات صلة. -
غالبًا ما يكون في التفسير والفقه:
تتواجد الأحاديث المقطوعة في الغالب في كتب التفسير والفقه، حيث يُحتج بها في تفسير آيات القرآن الكريم أو في استنباط الأحكام الفقهية.
أهمية الحديث المقطوع في علوم الحديث
على الرغم من أن الحديث المقطوع لا يحتوي على اتصال مباشر بين الراوي والنبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه له دور كبير في العلوم الإسلامية، وخاصة في مجالات الفقه والتفسير. كما أن علماء الحديث قد أولوا هذا النوع من الأحاديث اهتمامًا بالغًا من حيث التوثيق، وذلك للتأكد من دقة الرواية وقوتها.
بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الحديث المقطوع في بعض الحالات مصدرًا مهمًا لفهم بعض التفاصيل المتعلقة بحياة الصحابة والتفسير القرآني، حيث أن التابعين كانوا في غالب الأحيان أكثر معرفة بتفاصيل الحياة اليومية للنبي صلى الله عليه وسلم من غيرهم.
الحديث المقطوع من حيث القبول والرفض
إن الحكم على الحديث المقطوع من حيث قبوله أو رفضه يعتمد على عدة عوامل أساسية، هي:
-
موافقة متون الحديث للمصادر الأخرى:
إذا كان متن الحديث المقطوع يتوافق مع المتون الأخرى من الأحاديث المرفوعة، فإن ذلك يزيد من صحة الحديث. ومن جانب آخر، إذا كانت هناك اختلافات كبيرة في المتن، قد يصبح الحديث محل شك. -
توثيق الرواة:
إذا كان الرواة في السند معروفين بالثقة والعدالة، فإن الحديث المقطوع قد يُقبل. على النقيض، إذا كان أحد الرواة غير موثوق أو ضعيف، فإنه يُرفض. -
موافقة القواعد الفقهية:
في حالة الأحاديث المقطوعة المتعلقة بالأحكام الفقهية، إذا كان المتن يتماشى مع ما ثبت من الأحاديث المرفوعة أو مع النصوص القرآنية، فإن ذلك قد يعزز من قوته ويزيد من قبوله. -
الاعتبار بالمصلحة العامة:
في بعض الأحيان، قد يتم قبول الحديث المقطوع بسبب مصلحته العامة في بيان حكم شرعي أو فقه مسألة معينة. لذلك، يتم تقديره بناءً على مدى تأثيره على استنباط الأحكام.
أمثلة على الأحاديث المقطوعة
من أشهر الأمثلة على الحديث المقطوع، هو ما رواه التابعِي عن الصحابي. مثلًا، قال عطاء بن أبي رباح: “كان ابن عباس يقول في تفسير آية كذا…”، هنا ينقطع السند بين ابن عباس و النّبي صلى الله عليه وسلم، ويعتبر هذا حديثًا مقطوعًا. وفي الغالب، تكون هذه الأحاديث في نطاق الفقه أو التفسير، حيث يروي التابعِي عن الصحابي مباشرة أو عن علمائه.
الحديث المقطوع في الفقه
من الأمثلة على الأحاديث المقطوعة التي يُحتج بها في الفقه، ما رُوي عن بعض التابعين مثل عطاء بن أبي رباح و سعيد بن جبير، حيث كانا يرويان عن الصحابة بعض الأفعال والآراء التي لم تصلنا مباشرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا النوع من الأحاديث له أهمية خاصة في تفسير بعض الأحكام الشرعية التي قد يكون النص الوارد في القرآن أو الحديث المرفوع غير واضح فيها.
الخاتمة
الحديث المقطوع يمثل أحد الأنواع المهمة في علم الحديث، ويتطلب فحصًا دقيقًا للتأكد من صحة السند وقوة المتن. ورغم أن الحديث المقطوع لا يتمتع بنفس القوة السندية مثل الحديث المرفوع، فإنه يظل له دور بارز في مجالات التفسير والفقه. وكما في جميع أنواع الأحاديث، يبقى الاجتهاد في قبول أو رفض الحديث المقطوع مرهونًا بتوثيق الرواة، واتساق المتن مع الأحاديث المرفوعة، ومدى توافقه مع القواعد الشرعية.
